محمود بارود*
إن للوظيفة العامة أثر بالغ في تسيير المرافق العامة في الدولة لا سيمّا تلك التي تأخذ على عاتقها تقديم مزيد من الخدمات العامة بالإضافة إلى الاهتمام بالبنى التحتية. وبالتالي فإن للموظفين دور هام وخطير في المجتمع، لهم تأثيراتهم الايجابية والسلبية في وسطهم الاجتماعي والاقتصادي.
غالباً ما يثير موضوع الوظيفة العامة، عندما تتطرق الأحاديث إليه، في الصالونات، وخاصة في أيام الأزمات، بعض الابتسامات الساخرة، والشعور بالاشمئزاز نحو الموظفين والوظيفة العامة، هو موقف قديم ومتجدد نحو الموظفين والوظيفة العامة، لا سيمّا وان بعض رجالات الفكر والاقتصاد الحر، يرون في الوظيفة العامة عبئاً على الاقتصاد الوطني، وفي الإدارة العامة نشاط كثير الكلفة دون أي مردود وفي الموظفين أشخاصا يستنزفون موارد خزينة الدولة ولا يعطون بالمقابل شيئاً منظوراً وملموساً. إلا انه ليس لهذه النظرة ما يبررها فالإدارة عصب الدولة ومحور قيامها ووجودها ولا استمرارية لمجتمع دون الدولة، وعماد الإدارة موظفيها والعاملين في خدمتها، وقد وعت الدول المتطورة لهذا الدور وأهميته فأولت رعايتها للموظف ووضعت الأنظمة الخاصة به، محدده طرق اختياره وتعيينه ونقله وترقيته وترفيعه وتدريبه وتحفيزه والاهتمام بسائر شؤونه الذاتية، المادية والمعنوية، وحتى العناية به وبأفراد عائلته أثناء خدمته وبعد إنهائها وإحالته على التقاعد.
وإيماناً من الدول بأهمية الوظيفة العامة والقائمين عليها ومن يشغلها من الموظفين والتي تبقى جثة هامدة دونهم فالإدارة محور نشاط السلطة السياسية والإدارة التنفيذية لها، فإن نجاح الإدارة يتوقف إلى حد بعيد، على احتضانها لعناصر بشرية كفوءة، منتجة وخلوقة، تنشد المصلحة العامة على كل ما عداها، وتنجز عملها بأسرع ما يمكن و بأقل كلفة و بأفضل نوعية، ولا يمكن لأية دولة ان تحقق أهدافها دون القوى البشرية اللازمة والمؤهلة علمياً وعملياً.
وبما ان لبنان يعتمد نظام الوظيفة العامة المغلق، بحيث تعتبر الوظيفة العامة سلكاً أو مهنة يلتحق بها الموظف في باكورة حياته العملية وينقطع لها مبدئياً مدى الحياة، والى حين إحالته على التقاعد، وقد اصدر المشترع اللبناني نظاماً للموظفين معتمداً على مبادىء وخصائص النظام المغلق.
فكان المرسوم الاشتراعي 112 تاريخ 12/6/1959 وجميع التعديلات التي طاولته، الذي جعل الوظيفة العامة كياناً قائماً بذاته، وسلكاً خاصاً في المجتمع، يختلف عن سائر الوظائف والمهن، ويخضع لقانون ذي طبيعة خاصة ومختلفة عن قانون العمل وفي ذات السياق والمبادىء، سنعالج بعض مواد نظام الموظفين بالتحليل والتعليل واقتراح التعديل حيث أمكن.
ورد في المادة 2 – الوضع القانوني:
" يخضع الموظفون للأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالوظائف العامة.
وتطبق عليهم جميع الأحكام القانونية والتنظيمية اللاحقة، دون أن يكون لهم أي حق مكتسب في الاستفادة من الأحكام السابقة."
-2-
هذا الوضع القانوني يجعل من عقد تولي الوظائف العامة عقد إذعان بالكامل، اذ لا يعود لطالب الوظيفة سوى الموافقة لكامل بنوده أو الرفض، كما يحرم الموظف من أي حق مكتسب من نصوص طبقت عليه لفترة زمنية، ثم ارتأى المشترع إلغاءها، فيحرم الموظف من أي حق مكتسب في الاستفادة من الأحكام السابقة فيما لو كانت لمصلحته وذلك خلافاً للمبدأ السائد في قانون العمل الذي يحكم عمل القطاع الخاص وفي ذلك تمييز واضح بين العاملين في القطاعين العام والخاص.
المادة 4 – شروط التوظيف العامة
الفقرة هـ
" أن يبرز نسخة عن سجله العدلي، تثبت انه متمتع بحقوقه المدنية وغير محكوم عليه بجناية أو محاولة جناية من أي نوع كانت، أو بجنحة شائنة أو محاولة جنحة شائنة000"
أن هذا الشرط يهدف إلى ضمان حسن سيرة وسلوك من يتم اختيارهم لتولى الوظيفة العامة، وخلوها من أية جريمة قد يكون ارتكبها المرشح قبل بدء حياته الوظيفية وهو ضروري ولازم لضمان الثقة بالموظفين الذين يمثلون واجهة الدولة تجاه مواطنيها إلا إن هذا الشرط قد أثار العديد من الإشكالات والتفسيرات المتباينة لناحية تطبيقه على الموظف العام طيلة حياته الوظيفية .
إذ أن مجلس الخدمة المدنية يرى أن هذا الشرط يمنع حكماً أي شخص من تولي الوظيفة العامة ويستمر هذا الشرط حكماً طيلة فترة وجود الموظف في الوظيفة.
فإذا ما ارتكب الموظف أي من الجرائم المحددة في هذه الفترة يفقده حكماً احد شروط التعيين وبالتالي يجب إخراجه من الوظيفة، وعلى الإدارة المعنية إصدار القرار اللازم لإبعاده عن الوظيفة، فور علمها بالحكم النهائي الصادر بحقه حتى للأشخاص الذين أعيد إليهم اعتبارهم أو استفادوا من العفو.
وهناك اجتهاد فسر النص على إن هذا الشرط يحرم مرتكب الجرم قبل التعيين من تولي الوظيفة ولا ينسحب على الموظف بعد تعيينه ويعود للإدارة وفقاً لتقديرها ولنوع الجرم ومدى جسامته ان تخرج الموظف أو تبقيه وقد عرض الأمر على مجلس الوزراء الذي أحاله على الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل ولم يبت به حتى تاريخه.
مما يستوجب تعديلاً للنص يزيل غموضه .
المادة 15- الأعمال المحظرة
لاسيّما ما ورد في الفقرتين:
- أن ينضم إلى المنظمات أو النقابات المهنية
- أن يضرب عن العمل أو يحرض غيره على الإضراب
-3-
إن دعامة وجود نظام خاص بالموظفين مختلف عن قانون العمل، هو إعطاء الموظف امتيازات خاصة على أساس التوازن بين ما يلتزم به الموظف من واجبات ومسؤوليات، وما يتمتع به من حقوق وضمانات وامتيازات.
وبما إن واجبات الموظفين العامة حددت بوجه عام في المادة 14 من نظام الموظفين التي سبقت المادة 15 والتحظير الوارد فيها.
وان اختلال التوازن بين واجبات الموظف المفترض قيامه بها بكل دقة وشفافية وإخلاص مقدماً المصلحة العامة على الخاصة ولا ينال مقابلها ما يستحق من حقوق وضمانات وامتيازات ورواتب تحفظ له كرامته وقدرته على الاستمرار بحياة مستقرة ومقبولة اجتماعياً، هو ما يدفع الموظف غالباً للتعبير عن مطالبته بتصحيح هذا الاختلال بواسطة اللجوء إلى الإضراب الذي غالباً ما يهدف إلى المطالبة بزيادة الرواتب و الأجور وتعديل بعض ظروف عمل الموظف وإعطائه حقه بالترقية والترفيع وتحسين شروط ممارسة الوظيفة بشكل عام، بعيداً عن الضغوط السياسية والسياسيين .
وبما أن الإضراب محظور مبدئياً في النظام المغلق إلا أن الوقائع و الممارسة والتطورات التي مرّت على لبنان قد تجاوزت هذا الحظر ويقتضي بالتالي تعديل النص بما يجعله قابلاً للتطبيق عن طريق السماح بالإضراب وتنظيمه بما لا يعطل المرافق العامة والحفاظ على حرية التعبير ويعيد التوازن بين الحقوق والواجبات.
أما عن شرط الانضمام إلى المنظمات أو النقابات المهنية فإن إلغائه يعتبر شرطاً لازماً وضرورياً لدى السماح بممارسة حق الإضراب فالنقابات أو المنظمات المهنية هي الوسيلة الفضلى لممارسة هذا الحق ويمنع تحوله إلى فوضى ومن الجدير ذكره أن نظام الموظفين في لبنان في بعض شروط التوظيف تنص على إلزامية أن يكون المرشح منتسباً إلى إحدى النقابات المعترف بها رسمياً في لبنان( منظمات مهنية) كنقابة الأطباء أو نقابة المهندسين تحت طائلة رفض طلب ترشيحه لملء إحدى الوظائف التي تتطلب هذا النوع من المهن.
كما أن بعض العاملين لدى القطاع لا سيما في المؤسسات العامة الاستثمارية التي لديها نظام مستخدمين يشبه إلى حد كبير نظام الموظفين ويخضعون أيضا لقانوني العمل والضمان الاجتماعي وبالتالي أمكنهم ذلك من إنشاء نقابات والانضمام إليها.
وان العاملين في قطاع التربية والتعليم انشأوا روابطهم الخاصة كما أنشأت رابطة موظفي الإدارة العامة، والتي شكلت بالإضافة إلى روابط المعلمين ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة ما سمي بهيئة التنسيق النقابية التي لعبت دوراً مميزاً في السنوات الأخيرة .
-4-
وبالتالي أرى أن الواقع يتطلب أما إلغاءً لهذا الشرط أو تعديلاً بما يتوافق مع التطورات الأخيرة، ووفق المعاهدات والمواثيق الدولية بهذا الخصوص.
إن عمل الإدارة العامة لا يقتصر على اختيار الموظفين وتعيينهم بل يتعدى ذلك إلى تدريبهم أثناء عملهم لزيادة معلوماتهم ورفع كفاءاتهم وتطوير مهاراتهم بما يعود بالفائدة على الدولة وعلى الموظفين في آن معاً. فمن جهة الموظف يصبح أكثر تأهيلاً للترقي والترفيع إلى درجات أو وظائف أعلى ومن ناحية الإدارة تستفيد من زيادة معلوماته وخبراته في العمل، فيعطيها مردوداً أكثر وأفضل. إلا أن النص الذي ورد في المواد 9 و11و12 لجهة تصنيف الموظف المرفع في الدرجة ( الأخيرة) والتي أصبحت الأولى في سلاسل الرواتب الجديدة أو في الدرجة التي يوازي راتبها راتبه الأصلي مع احتفاظه بالقدم المؤهل للتدرج، احدث خللاً وغبنا ًمضاعفاً على الموظف المرفع.
إذ أن ترفيع الموظف وتعيينه في الدرجة التي يوازي راتبها راتبه وليس درجته، أفقد الموظف حقه في أن ينال الراتب الذي يوازي خبرته وكفاءته والمهارات التي اكتسبها فزادت من مهامه ومسوؤلياته وأعطي ذات الراتب وخسر درجات كان قد حصل عليها ويتكرر الأمر كلما رفع إلى فئة أعلى. بحيث أصبح راتب وقيمة درجة من رفع من الفئة الرابعة إلى الثالثة ثم إلى الفئة الثانية وأمضى أكثر من أربعين سنة في خدمة الدولة أقل من راتب زملائه الذي استمروا في الفئة الرابعة وأحيانا اقل من راتب من عين في الفئة الرابعة بعده بعشر سنوات في الاسلاك الوظيفية الاخرى ( التعليمية ) .
كما أن قيمة الدرجة التي ينالوها وهم في الفئة الرابعة اكبر من قيمة الدرجة التي ينالها في الفئة الثانية وإذا ما رفع إلى الفئة الأولى فيعين في الدرجة الأولى في فئته مثله مثل المعينين حديثاً من خارج الملاك وهذا ما يشكل الخلل الكبير والفاضح في التوازن بين الحقوق والواجبات والمطلوب العمل على تعديله.
المادة 61 المسؤولية الجزائية والحصانة الإدارية
كانت المادة 61 بفقراتها الأربعة، تعطي الموظف الحصانة الإدارية بعدم إمكانية تحريك دعوى الحق العام بواسطة الادعاء الشخصي، وعلى النيابة العامة أن تستحصل على موافقة الإدارة قبل المباشرة بالملاحقة في حال كان الجرم ناشئاً عن الوظيفة وعند الخلاف حول وصف الجرم كان يعود لهيئة مجلس الخدمة المدنية أو للإدارة المعنية غير الخاضعة لصلاحيته أمر البت في وصف الجرم، ما إذا كان ناشئاً عن الوظيفة أم لا إلى أن صدر القانون رقم 328 تاريخ 2 آب 2001 .
-5-
( أصول المحاكمات الجزائية)
وفي المادة 13 منه، المعدلة بالقانون رقم 359 تاريخ 16/8/2001 حيث أصبح نص الفقرة الأخيرة منها كما يلي:
" مع مراعاة أحكام المادة 79 من قانون تنظيم مهنه المحاماة، وفي جميع الحالات التي تقضي فيها الملاحقة الجزائية ترخيصاً أو موافقة من أي مرجع غير قضائي، وفي حال الخلاف بين هذا المرجع وبين النيابة العامة الاستثنائية أو النيابة العامة المالية أو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، يكون للنائب العام لدى محكمة التمييز خلافاً لأي نص عام أو خاص، أمر البت نهائياً في هذا الموضوع " .
إن هذا النص عطل الحصانة الإدارية الممنوحة للموظف وجعله بالتالي عرضة لاستدعائه الى المخافر وقصور العدل عند قيام أي شخص بالادعاء عليه بحجة تضرره من أي قرار اتخذه الموظف. مما افقد الموظفون الثقة والأمان لاتخاذ القرارات الإدارية المناسبة ولأن هناك دائماً طرف مستفيد وآخر متضرر من أي قرار، وتحاشياً لأي مساءلة أصبح الموظف يفتش عن أي سبب أو وسيلة تبرر له عدم اتخاذ القرار وإحالة الموضوع إلى موظف آخر أو مرجع أعلى ما جعل من العمل الإداري دوامة لا تعرف التوقف وأثر سلبا على سير المعاملات وسرعة البت بها والتي غالباً ما وجدت طريقة للبت بها خلافاً للقوانين ومن قبل أشخاص غير أصحاب الصلاحية وكانت من العوامل الأساسية للفساد في الإدارة.
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تعديل العقوبة رقم 1 من عقوبات الدرجة الثانية الواردة في المادة 55 – العقوبات التأديبية . " 1- تأخير التدرج لمدة ثلاثين شهرا على الأكثر"
نظراً لأنه عند وضع النص الأساسي كان الموظف ينال درجة تدرج كل ثلاثين شهراً وعدلت لتصبح درجة كل 24 شهراً ولم يصب التعديل في حينه العقوبة.
*مدير الوصاية في وزارة الطاقة والمياه